أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة دمياط
مقالات اكتوبريات مناقشات كتب صور سيرة حياة اتصل بي

ماذا أقول له ..

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

لم أتوقف أمام اللوحة المعدنية المذهَّبة المكتوب عليها "عميد الكلية" ، رغم مكوثى ثلاث سنوات داخلا إلى .. خارجا من .. غرفة المكتب التى تتصدرها هذه اللوحة ، ربما لأنى لم أحتف بالعمل الإدارى ، ومن قبل لم أسع إليه أو أنشغل به ، بل كنت أنتظر فى شوق لحظة الانعتاق منه . ربما يرجع ذلك إلى مزاجى الشخصى ، أو إلى إحساسى بذاتى وهو أننى عابر سبيل لى رؤيتى التى انعكست على ميلى إلى العزلة ، وعزوفى عن الدخول فى دوامة الصراع الإنسانى الحيوانى ، أو حتى الإنسانى الإنسانى .
وتعاند الأقدار ، ويضاف إلى عبء هذا المكتب بآداب كفر الشيخ عبء مكتب آخر بآداب طنطا معلق على بابه لوحة معدنية مذهبة مكتوب عليها "رئيس قسم اللغة العربية" .
بأريحيته المعهودة استجاب صديقى العزيز الأستاذ مصطفى سلام مدير المكتب الأول لما أوصيته به من أن هذه الغرفة ملك للجميع ، وكم كنت أشعر بغبطة ونشوة عندما أجد الزملاء يتخذون منها مكانا للاستراحة قبل أو بعد المحاضرات ، وأثناء ذلك كانوا يلتقون طلابهم ، ويقيمون صلاتهم , ويصححون أوراقهم ، كما أتيحت الفرصة لفريق الجوالة أن يتخذ من هذا المكتب مكانا لاجتماعه حين استعصى توفير مكان .. ولست أدرى إن كان أحد قد سبق فيما أسميته بسياسة "الباب المفتوح" .. أى أن يظل باب المكتب مفتوحا ما دمت موجودا لأرى وأُرى .. كان هذا يتمشى مع طبيعتى كريفي تربى فى حضن الطبيعة الخضراء ، ثم كجندى عشق حياة الصحراء .. وهما – الريف والصحراء – بابان مفتوحان على الكون لا ينغلقان .
فى أى مؤسسة اعتاد المدير أن يجلس متحصنا خلف مكتبه .. أمامه كرسيان متواجهان ، يضطر الجالس على أى منهما أن يميل برقبته يمينا أو يسارا حسب اتجاهه ، ليصبح فى مواجهة السيد المدير الذى يعفى بحكم موقعه من عبء ليّ الرقبة . على الكراسى العادية ، بين ضيوفى كانت جلستى تتم فى إطار ودى عائلى يعفينى من ضيق الصدر الذى يعترينى حين أجلس على المكتب فى حين يقف صديقى الموظف عن يمينى يقلب الأوراق المطلوب إنهاؤها .. أستريح حين أكون وسطهم لأميل بوجهى نحوهم بنفس الدرجة التى يميلون بها إليَّ ، وحين تأملت متسائلا : ماذا تبغى من وراء هذه الإدارة ؟ وجدتنى أكتب بعد فترة هذه العبارة :
"يظل المسئول قويا حتى يطلب شيئا لنفسه"
وهى عبارة لم يشأ صديقى الأستاذ الدكتور محمد العمروسى عميد الكلية الحالى أن يسقطها من مكانها ، بل أبقاها على حالها ، ولعله وجدها تفصح عن حاله هو أيضا .
أما المكتب الآخر فلم أجلس عليه سوى يوم الثلاثاء الأول من كل شهر ؛ موعد مجلس القسم ، لم أحتفظ بمفتاحه يوما ، بل تركته لأحد الزملاء ، وبمبادرة منى تحوّل المكتب إلى قاعة يلقى فيها أساتذة القسم محاضراتهم لطلاب السنة التمهيدية للماجستير ، ثم تحول بعد ذلك إلى "كنترول" لهؤلاء الطلاب .
أما عملى الإدارى فكنت أنجزه جالسا أو واقفا أو سائرا فى أى مكان أو من مكتبى الأساسى والمخصص لى كعضو هيئة تدريس.
توجهت إلى مكتبى الأخير بعد أن أصبحت أستاذا متفرغا ، فوجدت اسمى ومكتبى ودولابى قد نزعوا ، وزرع مكانهم اسم ومكتب ودولاب زميل "عزيز" .
والآن .. قل لى : ماذا أقول له؟.

د. أحمد عبد الحى
أستاذ الأدب المتفرغ
كلية الآداب – جامعة طنطا

خطأ
شكرا

شارك بآرائك وتعليقاتك




CAPTCHA security code