السفلة والأوغاد
لم أجد فى كل ما قرأت وسمعت ، منذ سطوع نجم جماعة الإخوان حتى أفولها فانحسارها فاندحارها ، من وصف يقدر على التعبير عن مأساوية ما نشهده يجرى فى مصر على يد هذا الفصيل من قول صلاح عبد الصبور فى مسرحية "ليلى والمجنون" على لسان الأستاذ فى معرض السخرية من السلطة التى تحرم الحب ؛ إذ يقول :
" عبــــثٌ ، والأيام تَجِـــدّْ
لا أدرى كيف ترعرع فى وادينا الطيب
هذا القدر من السفلة والأوغاد "
والشاهد هنا هو هذا التعبير "السفلة والأوغاد" ، ولا أدل على بلاغة هذا التعبير من انصراف ذهن القارئ إلى هذه الجماعة المنبوذة مباشرة بمجرد قراءته ، ولا أشك أن ذهن القارئ قد انصرف إلى هذه الجماعة بمجرد قراءة عنوان هذا المقال .
و "السفلة والأوغاد" فى المسرحية هم أولئك الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الأخلاق ، وهو ما تورطت فيه هذه الجماعة حديثا حين طفقت تحرم وتجرم ، تُفسِّق وتُكفِّر ، بحيث لم تبق من فرقة ناجية سواها على هذه الأرض .
لكن من منا لم تصبه الدهشة – مثل صلاح عبد الصبور – حين أفقنا ذات صباح على هذه الجماعة وقد خرجت من جحورها منتشرة فى كل الأجواء مثل الجراد تأكل الأخضر واليابس ، أو مثل الفئران تعيث فى الأرض فسادا ، أو مثل الذئاب تبث فى النفوس مشاعر الإرهاب ؟. من منا لم يقل مندهشا ما قاله صلاح عبد الصبور بشكل أو بآخر :
كيف ترعرع فى وادينا الطيب / هذا القدر من السفلة والأوغاد ؟
وجدير بنا أن نتأمل الفعل "ترعرع" الذى يوحى بتكاثر "السفلة والأوغاد" ؛ هذا التكاثر الطفيلى الفيروسى ، وإن شئت قل هو تكاثر الأعشاب الضارة وسط الزروع اليانعة التى سرعان ما تذوى وتختنق بفعل النمو السرطانى لهذه الأعشاب . والملفت أن هذا الخبث ينمو فى وادينا الطيب ، أو الذى كان طيبا قبل أن تترعرع فيه أزهار الشر ، وتلوث أرضه وسماءه .
و"السفلة" جمع سافل ، وهو الغوغائى المنحط ، أما "الأوغاد" فجمع وغد ، وهو الأحمق الرذل الدنئ ، ولأن كل من اقترب من عقل الإخوانى أيقن أن لا سبيل إلى شفائه ، وأن محاولة إثنائه عن المضى فى السباحة فى مستنقع الجهل والتخلف والجمود ميئوس منها ، لأن خروجه من هذا المستنقع تعنى – فى تقديره – شهادة وفاته ، أما شهادة النجاة فمرهونة ببقائه سابحا فى هذا المستنقع حتى نهاية الحياة .
ورحم الله المتنبى إذ يقول :
لكل داءٍ دواءٌ يُستَطَبُّ به إلا الحَماقَةَ أعْيَتْ من يُداويها
واهم من يتصور أن تبرأ هذه الجماعة من حمقها ، وهم كما يتنفسون كذبا معجونون حمقا ، والحمق فى سلوكهم يبدو كما لو كان قدرا مقدرا عليهم لا سبيل للانعتاق منه ، أو التحرر من أسره .
"السفلة والأغاد" هم الذين يعيثون فى أرجاء هذا الوادى ، الذى ظل طيبا يغدق الخير والسلم على أهله وعلى غير أهله ، إلى أن جاءوا فملئوه رعبا وقتلا ودماء وخرابا ودمارا .
"السفلة والأغاد" هم الذين أطفئوا أنوار الثقافة والفكر والفن والإبداع ، وحطموا التماثيل وجرموا الفنون وحرموا الموسيقى .
"السفلة والأغاد" هم من انحرفوا بالفطرة التى فطر الله الناس عليها ؛ إذ يطربون للجمال وينفرون من القبح ، وكان حريا بهم أن يعيدوا النظر فى تصوراتهم وأوهامهم حين كررنا على مسامعهم أقوالا مثل قول الغزالى :
" من لم يهزه الربيع وأزهاره ، والعود وأوتاره ، فهو فاسد المزاج ، ليس له علاج "
وقبل الغزالى قرر المتنبى – إمام الشعر والحكمة – أن داء الحماقة هو الداء الاستثناء الذى استعصى على العلاج ، كما سبق بيانه .
أصبح فرض عين علينا أن نطهر المجتمع :
من هؤلاء الغربان التى تنعق فى سماء مصر وأرضها ترجو خرابها .
من هؤلاء السفلة المتحالفين مع أشرار العالم ضد الوطن الذى تربوا فيه ، ثم باعوه بأبخس ثمن .
من شذاذ الآفاق الذين هبوا للانتقام من أهليهم وذويهم لا لشئ إلا لأنهم لم يخونوا وطنهم .
من المتخلفين المتنطعين الذين أدمنوا النظر فى قفا الماضى حين عموا عن النظر فى وجه المستقبل .
من الجهلة كارهى الفل والياسمين ، الحاقدين على المحبين ، ممن أدمنوا الحياة فى بالوعات الحمامات .
من الذين كفروا بوطنهم ، وهم الأقرب إلى الكفر بالله حين باعوا وطنهم لمن أسموهم بأحفاد القردة والخنازير .
من الذين أشاعوا روح الحقد والكراهية ضد إخواننا الأقباط ، وحضوا على عدم تهنئتهم بأعيادهم .
من هؤلاء الذين نظروا إلى المرأة باعتبارها مجرد وعاء ؛ يفرغ فيه الرجل شهواته ونزواته .
من هؤلاء اللصوص الذين سرقوا الوطن بعد أن سرقوا ثورته .
من الذين كنا نأمل أن يكونوا بديلا عن "الحزب الوطنى" بفساده واستبداده ، فإذا بهم يذهبون إلى مدى أبعد فى الفساد والاستبداد .
أصبح فرض عين علينا أن نطهر مجتمعنا من "السفلة والأوغاد" .
أما كلمة "الأوغاد" هذه فقد وردت مفردة فى سياق آخر فى نفس المسرحية ، وذلك حين يقول الشاعر :
" لا يحكى عن مخدعه إلا رجل وغد "
فلئن كان الوغد يندفع بحمقه ودناءته لأن يفشى نهارا ما دار فى مخدعه ليلا ، فإن "أوغاد" اليوم قد ذهبوا فى حمقهم ودناءتهم إلى أبعد من ذلك ، سيما حين استباحوا مخدع الوطن ، واستحوذوا عليه ، واستأثروا به ، وطفقوا يعقدون صفقات مع من كانوا ينعتونهم بـ "أبناء القردة والخنازير" يبيعون لهم ما حلا فى عيونهم من أرض هذا الوطن ، يتم كل هذا فى الوقت الذى لا يكفون فيه عن التشدق بكرامة الوطن وعزته وشرفه وكبريائه ، وهم فى هذا يستدعون موقف الشاعر العراقى "مظفر النواب" وذلك حين طفق يسخر من العرب حين طال تشدقهم بعروبة القدس ، فى الوقت الذى بدوا فيه عاجزين عن صنع شئ من أجل نصرتها . وفى هذا الصدد أجد نفسى مضطرا لأن أضع كلمة "مصر" بدلا من كلمة "القدس" ، ويصبح الحديث فى هذه المرة موجها إلى الإخوان :
" مصر عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها ؟
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم ، وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد القحبة .. هل تسكت مغتصبة ؟
أولاد القحبة
لست خجولا حين أصارحكم بحقيقتكم
إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم
تتحرك دكة غسل الموتى
أما أنتم / لا تهتز لكم قصبة "