أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة دمياط
مقالات اكتوبريات مناقشات كتب صور سيرة حياة اتصل بي

يوم التـــأبين

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

من بين الأسئلة التى اعتدت أن أطرحها على نفسى هذا السؤال الذى كان وما زال يلح علىّ : ماذا تود أن يقول الناس عنك فى يوم تأبينك ؟ ورغم رفضى للعادات والسلوكيات التى تقترن عندنا بالموت ، ورغم وصيتى بإلغاء كل ما تعارفنا عليه من مراسم جنائزية ، لأننى أحب أن أعود ـ بهدوء ـ كما جئت . ورغم يقينى بأننى لست جديراً ، ولست بحاجة إلى من يترحم على ، أو من يذكر محاسنى ـ رغم ذلك فإننى أتخيل ما سيطوف بخاطر من يهمهم الأمر فى الثوانى الخمس التى تعقب وصول النيأ ، وآمل أن تتبلور هذه الخواطر على هذا النحو :
كان عصامياً ، من الصفر بدأ حياته وانتهت وهو يمتلك أعظم ثروة ، حب الآخرين واحترامهم .

كان يتطور ويتجدد ويتغير ، لكنه أبداً لم يغتر ، لم يشعر بالدونية وهو يعمل مدرسا بالمرحلة الابتدائية ، ولم يشعر بالفوقية وهو يعمل أستاذا بالمرحلة الجامعية . كان يحترم طلابه كأنهم زملاؤه أو أصدقاؤه وبذر فى عقولهم بذور الحرية ، وكانت كتبه هى الحقل الذى جربوا فيه محاريثهم النقدية ، وكان هو أول المستفيدين من هذا الحرث ، لذا كان يهدى هذه الكتب _ لا إلى أمه وأبيه ، أو زوجه وبنيه ـ ولكن إلى هؤلاء الطلاب .

كان جاداً فى محاضراته وفى إشرافه على الرسائل العلمية وفى مناقشاته لها . لم يجامل فى العلم أحدا ، وهو الذى أغضب أساتذته لأنه لم يتساهل مع طلابهم ، ومع أبنائهم ، وهو من القلائل الذين كتبوا " تقرير عدم صلاحية " عن الرسائل التى رأى أنها لم ترق إلى المستوى الذى يرجوه . قائده ضميره ، يستوى لديه رضى الآخرين أو غضبهم . كان يرى أنه من العيب أن يجلس الأستاذ المشرف أو المناقِش ضيفاً على مائدة الطالب المناقَش فى رسائل علمية ، وكان هو يدفع ثمن هذه المأدبة إذا تطلب الأمر ذلك ، لم تمتد يده إلى أية هدية قُدِّمت إليه بحكم سلطته العلمية حتى تلك التى تبدو بريئة جداً ، ابتسم وقال يوم أن قدمت إليه سجادة ، أنه منح نفسه أجازة من الصلاة هذه الأيام . وكان شعاره الذى علقه فى مكتبه هو " يظل المسئول قويا حتى يطلب شيئاً لنفسه " حين أعير إلى السعودية لم يزيف وعى طلابه مجاراه للثقافة السائدة ، فضلاً عن أنه لم يزيف مشاعره الدينية ، ولم يدخل مسجدا بقوة دفع خارجية ، ولم ينس أنه ذهب ليعلمهم لا ليتعلم منهم ، ليأخذ بيدهم لا ليتماهى فيهم ؛ يضع على رأسه غُترتهم ، وعلى لسانه لكنتهم ، وعلى وجهه لحيتهم . وكان على استعداد دائماً لدفع الثمن حتى وإن كاد الطرد من جنتهم . جاء الكرسى ... لم يكسب ، ذهب الكرسى ... لم يخسر ، لم يتمسك بشئ ، لأنه كان على يقين أنه سيترك كل شئ .

ورغم أن هذه الأقوال المتخيلة هى مجرد أمانى ما بعد الموت ، إلا أنها تُرشِّد سلوك الإنسان ، وتضبط بوصلته على هدف بعيد ، متجاوزاً الصراعات الشخصية والأهداف الثانوية والقضايا الوقتية التى تبدد أعمار الناس ، إن أهمية السؤال المطروح فى البداية تكمن فى أنه قد يغير حياة الإنسان ويشكلها على النحو الذى يأتى منسجماً مع ما يأمل أن يقال عنه فى النهاية .

تعليقات القرآء

كتب د. ياسر الصعيدي فى الجمعة 21 أكتوبر 2011

أستاذي العزيز .. أطال الله عمرك ومتعك بالصحة والعافية .. وأنار دربك وهداك إلى صراطه المستقيم ، كما أنرت دروبنا وهديتنا في مشوارنا العلمي .. والله إن شهادتنا فيك مجروحة لأننا أبناؤك ، لكن من يعرفك أكثر منا؟ ، عرفناك أستاذا جامعيا نبيلا، وفارسا لكلمة الحق مدافعا عنها ما وسعك ذلك، علمتنا الصبر وحب الآخرين واحترامهم، علمتنا أدوات البحث ووضعت أقدامنا ونحن طلبة على أعتاب الأدب العربي وحببتنا فيه وكانت محاضراتك لنا بمثابة الزاد والزواد، بل كنت تجلس وسط الطلبة وتمنحنا - نحن الطلبة- فرصة إلقاء المحاضرات ثم تعلق أنت عليها بأسلوبك الرائع الشيّق ، فعلمتنا وقتها التواضع وغرست فينا بذرة ما زالت تنمو وتترعرع حتى صرنا أساتذة بالجامعات ، وهذا معروف لا ننساه لك أبدا ما حيينا ،ونذكره لك في كل موطن ونفتخر أن كنا طلابا لك في يوم من الأيام وما زلنا ..
أكركم الله كما أكرمتنا، وجزاك ما أنت أهله، ورزقنا وإياك حسم الخاتمة ، وجعل حبنا لك في ميزان حسناتك ..
اللهم آمين ...
ابنك / ياسر عطية الصعيدي
قسم اللغة العربية -آداب المنيا
قسم اللغة العربية - التربية والآداب في عرعر - جامعة الحدود الشمالية

كتب شحاتة الحو فى الخميس 31 مارس 2011

يذكر نجيب محفوظ أنه بعدما كتب رواية خان الخليلي التي يلعب فيها أحمد عاكف دور البطولة عرض الرواية على أحمد عاكف نفسه ـ الشخص الحقيقي الذي استلهم منه محفوظ الشخصية الروائية ـ فلم يعرف نفسه ، وظن أن هذه الرواية تناقش حياة إنسان آخر غيره . وعندئذ يعلق محفوظ قائلا : " رأي الإنسان في نفسه ، ورأي الآخرين عنه ما أبعد الهوة بينهما " .
أذكر هذا الموقف لأن المقال المقتضب الذي كتبه د. أحمد عبد الحي لم يتقولب في رأي واحد ، لكنه مقال متعدد الأصوات يذكر الرؤية المؤيدة لشخص الدكتور أحمد ، وكذا الرؤية المعارضة ..
والكاتب عندما يتطرق إلى ذكر الرؤية المعارضة لا يبغي من ورائها جلد الذات ، وإنما هي مؤشر يشير إلى أن السلوك البشري ليس عليه لإجماع أو اتفاق ، ومن ثم ينبغى على الإنسان أن يحافظ على قيمه النبيلة ولا يفكر فيما سيقال بعد .
والرأي عندي أن د.أحمد عبد الحي أحد الأبطال الإشكاليين الذين يتمسكون بقيم رفيعة في مجتمع افتقد ـ أو كاد يفتقد ـ هذه القيم ،لكنه لايفقد الأمل أبدا أن يجد أفرادا يحملون هذه القيم .. ومن ثم لم أعهده يلعن الظلام بقدر ما وجدته يخرج من جيب معطفه مئات الشموع التي تضيء عقول الآخرين .. وإنني لأعجب من أمره كيف لاتنضب هذي الشموع ولا تخفت جذوتها مع تعاقب الأزمان؟
لقد ترك د. أحمد في عقولنا وقلوبنا جميعا بصمة حب وصفاء ونبل ، لا بوصفه أستاذا يعلم طلابه بحب وإخلاص فحسب وإنما بوصفه إنسانا وأبا وصديقا ..
وأشهد أنني عبر سنوات عمري ماعرفت أنسانا يتقبل رأي الآخرين فيه مثل الدكتور أحمد .. أطال الله في عمره ، ومتعه بالصحة والصفاء .
شحاتة الحو

كتب خالد عبد الحى فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

أطال الله فى عمركم

خطأ
شكرا

شارك بآرائك وتعليقاتك




CAPTCHA security code