ورقــة العــار
حين عدت من الإعارة فى تسعينيات القرن الماضى لاحظت أن مياها مالحة كثيرة قد جرت فى نهرالجامعة ، بدأت هذه الملاحظة حين وقفتُ مصدوماً وعاجزاً عن الرد على الطالب الذى سألنى عن ثمن الكتاب .. لكنى أدركت بعد ذلك أنه لا تثريب على الطالب الذى اعتاد على ذلك كما اعتاد على وسائل الترهيب والترغيب ، بالتلميح تارة وبالتصريح تارات . وظلت هذه العلاقة المشبوهة بين الأستاذ والطالب تنمو إلى أن تبلورت فى أحقر اختراع لأستاذ مصرى ، كان الاختراع هو هذه الورقة التى تسمى زورا ًبورقة البحث وأُسميها " ورقة العار " عار على جبين الجامعة ، وعلى جبين أى كتاب يضم هذه الورقة بين أوراقه .
والمؤسف أن هذه الورقة قد نجحت بامتياز ـ بعد انتشارها السريع فى جامعات مصر ، فى أن تدمر عقلها ، مثلما نجح فيروس " سى " بعد اتنشاره المدوى فى مدن و قرى مصر فى أن يدمر كبدها ، وبحسب هذه الورقة فساداً أنها لوثت العلاقة بين الأستاذ والطالب ، وسلطت الضوء على وجه الأستاذ التاجر ، المقاول ، وأخفت وجه الأستاذ العالم ، القدوة . وأهدرت ثقة الطالب بالأستاذ ، وأفقدت الأستاذ زهوه بأستاذيته ، تلك التى أمضى معظم عمره سعياً وراءها ، لكنه حين بلغها باعها لقاء هذه الورقة التى تَـدَّعى أنها تبحث عما فى عقل الطالب وهى تبحث عما فى جيبه .
مساكين هؤلاء لأنهم لم يجربوا أن يقرءوا فى عيون طلابهم بريق الامتنان والاحترام ، وهو فى تقديرى أغلى من بريق الذهب والماس .
في ربيع عام 2004 كنت طالبا في الفرقة الرابعة،وكان الأستاذ الدكتور أحمد يدرس لنا كتابه الخالد في وجداننا(شعر صلاح عبد الصبور الغنائي ـ الموقف والأداة) وكنتُ قد كتبتُ مقالا عن علاقة النجاح بشراء الكتاب الجامعي وورقه بحثه المزعومة،وكنت أظنه سيزعج سلطات قسم اللغة العربية بكلية الآداب،وكنت أظن أنني حين أنشره على مجلة حائط القسم أن الملأ سيأتمرون عليَّ،فعرضت الأمر على الدكتور أحمد عبد الحيّ،فإذا به يشجعني،ويبث في قلبي من روحه الأكتوبرية الطاهرة،ويعمدني ببريق العلم والنزاهة والحرية.ويحثني على نشر المقال بلا خوف،لأنني على الحق المبين..
أستاذي الجليل،تعلمتُ منك ثباتي،وقوة حيلتي وحيدا،فكم كنتُ في هذه الحياة وحيدا،وبك زهر زنادي،وأينع عقلي.. دمت لنا طيبا ،طاهرا،نبيلا.