أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة دمياط
مقالات اكتوبريات مناقشات كتب صور سيرة حياة اتصل بي

اعرف نفسك

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

أومن كثيراً بأهمية مقولة سقراط : " اعرف نفسك " لأنى أومن أيضاً بأن العلم الذى يحصِّله الإنسان - مهما بلغت درجته – لن يسعفه أو يساعده على إدراك ذاته ، ألتقى بأُناس كثيرين حصلوا على درجات علمية رفيعة ، ولكن مدركاتهم الوجدانية والنفسية والشعورية لم تتجاوز مستوى تلميذ المرحلة الإعدادية . إن مواجهة الذات والتحديق فى مرآتها ، والتعرف على قسماتها ، والاعتراف بنقائصها ، أمر لا يقدر عليه أى إنسان ، لا يقدر عليه إلا من يحب أن يرى نفسه كما هى ، لا كما يتمنى أن تكون ، أن يراها على حقيقتها ، لا كما يتخيلها من خلال الصورة الذهنية الوهمية التى رسمها لنفسه ، وهى صورة ، رغم كونها كاذبة ، إلا أنها تكبر مع كثير من الناس ، وهؤلاء فى حقيقة الأمر مساكين ، لأنهم يعيشون فى حياتهم منقسمين بين الصورة الوهمية الكامنة فى أنفسهم عن أنفسهم ، وبين الحقيقة التى يصطدمون بها أو تصدمهم فى واقعهم .
ولقد روضت نفسى على أن تكشف لى هذه النفس عوراتها ونياتها وخباياها الدفينة ، وشجعتها على البوح والإفضاء ، وذلك بإبداء الرضا عما به تفضى وتبوح ، ومع مرور الزمن ، استحال إبداء الرضى إلى رضىَّ حقيقى ، ومن ثم سقط هذا الجدار الذى كان يمكن أن يحول بينى وبين رؤية ذاتى ، لم أعد أخجل منها ، ولم تعد تستحى منى .
والثمرة التى أُجنيها من بعد ، هى السلام مع النفس ، لكن الثمرة الأعظم هى السلام مع الأخرين ، وذلك حين أصبح مستعداً لقبولهم ، لأن مافى نفوسهم من نقائص و نقائض يقترب كثيراً مما رأيته مترسباً فى قاع ذاتى ، ويصبح من الظلم ، بل من الحمق ، أن أحاسبهم على مالم أستطـع أن أتطهر منه .
أقبل الآخر ، أى آخر ، وليس ثمة جدار أو حتى ستار يمكن أن يفصلنى عنه ، وأشفق على المسلم الذى ينفر من المسيحى ، والمسيحى الذى يضيق بالمسلم ، ولقد تعلمت من أبى العلاء ألا أتعصب لشئ ، لأن كل الأشياء فى النهاية سواء ، وكم أردد فى نفسى وعلى مسامع طلبتى أبيات ابن عربى الشهيرة :

لقد صار قَلْبى قَابِلاً كُلَّ صُورةٍ فمـرْعىً لِغزْلانٍ ودِيـرٍ لرُهْبانِ
وبـيتــاً لأوثــانٍ وكَــعَبةَ طـائـفٍ وألْواحِ تَوراةٍ ومُصحفِ قرآنِ
أَديــنُ بديـن الحـبِّ أنـى توجَّهتْ رَكـائِبهُ ، فالحبُّ دِينى وإيمانى

ولقد تعاطفت مع الشعراء الذين اقترفوا المنكر ، لأنى حين نظرت إلى نفوسهم من الداخل وجدتها أنقى وأصفى من هؤلاء الذين ارتدوا عباءة الطهر . أبو نواس بكل مجونياته وخمرياته أقرب إلى النفس من البحترى ، بل من أبى العتاهية بكل زهدياته .
إن أبا نواس لم يكن يفسد الكون ، بل كان يكشفه ويعريه ، الذين يفسدون الكون هم الذين يرسمون صورة مزورة للحياة ؛ يحقِّرون الدنيا ، ويرفعون الممدوح حتى يصبح ظلاً للإله .
إن قيمة الشاعر تقاس بدرجة صدقه ؛ صدقه الفنى لا الأخلاقى ، فالصدق الفنى ـ كما يذهب على شلق ـ أجلُّ من صدق الأخلاق ، وأبعد أثراً فى رفع الحياة ؛ الأول ينبع من الذات ، والثانى ينطلق من التعاقد ، والالتزامات .
ولئن كان أبو نواس قد تخلى عن كل فضيله ، فحسبه أنه قد تحلى بفضيلة الصدق ، ولئن كان صدقا ينسكب له عرق الجبين ، إلا أنه يَفْضُل كذب المحسوبين ـ خطأً ـ على الأخلاق والدين .

تعليقات القرآء

كتب خالد فى السبت 20 نوفمبر 2010

راااااااااااائع
اكثر من رائع

خطأ
شكرا

شارك بآرائك وتعليقاتك




CAPTCHA security code