أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة دمياط
مقالات اكتوبريات مناقشات كتب صور سيرة حياة اتصل بي

من انفلونزا الدروس إلى انفلونزا البحوث

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

ان الانهيار القيمى الذى اصاب المجتمع كان لابد ان يطال بدرجة أو بأخرى الثمار اليانعة والمتمثلة فى صفوة مفكريه وعلمائه وباحثيه وكان طبيعيا ان يصل غبار هذا الانهيار ليلوث هذه الثمار
والانهيار الجامعى هو نتيجة طبيعية لانهيار القاعدة التى يرتكز عليها متمثلة فى مؤسسة التعليم ماقبل الجامعى وليس أدل على انهيار هذه المؤسسة الاخيرة من انتشار انفلونزا الدروس الخصوصية منذ اكثر من أربعين عاماً ولو اننا تعاملنا مع هذا المرض بنفس الهلع الذى تعاملنا به مع انفلونزا الطيور لتغيرت صورة التعليم وتغيرت بالتالى صورة الطن كله غير أن الوزراء المتتابعين لم يكين يعنيهم من الأمر سوى المزج بين إشباع شهواتهم السلطوية وغير السلطوية إرضاء من اجلسوهم على كراسيهم وفى هذا الأمر الأخير يمكن السر فى ان كل خطوة يخطوها السيد الوزير الى " روبوت " يتحرك وفقا لإشارة ال " ريموت " يصبح موظفا لا نصيب له من الابداع وربما لا حظ له فى التفكير وما يحدث للوزير ينسحب بالعدوى على منسوبى الوزارة وعلى راسهم المعلمون القلب النابض ترضى للوزارة يتآكل القلب ثم ينخلع حين يولى المعلمون وجوههم شطر البيوت مكتفين بالتوقيع فى دفاتر المدارس ويقضون اعمارهم فى اداء اعمال شكلية ترضى غرور الموظف الكبير وتوحى لو بان كل شىء تمام وكل شىء بالفعل تمام فى الدفاتر المدرسية وكل شىء تمام أيضا فى المدارس المنزلية تلك التى أمست المكان البديل والجميل الذى يجد فيه التلميذ راحته لأنه وضع أستاذه فى جيبه وأصبح قريبا من حضن امه ومن سريره الدافىء ثمة مدرسون ينتظرون حتى يستيقظ الجميل من نومه " ويجلس الجميل " متململا متثائبا غير أن ذكاء الاستاذ يجعله ينتهز كل فرصة يتثاءب فيها التلميذ ليفرغ فى فمه معلقة من درسه الخصوصى .
فاذا اضفنا الى هذا انتشار ظاهرة الغش المسكوت عنها عمدا بدءا من الموظف الكبير حتى الصغير اذا أضفنا هذا تكون وزارات التعليم المتعاقبة قد نجحت بامتياز فى أن تخرج لنا اجيالا من المتثائبين أقصد المرضى العقليين الذين ضمرت عقولهم نتيجة لعدم الاستخدام تحت تأثير الرضاعة العلمية الصناعية .
ولئن كان علماء الغرب قد نجحوا فى استنساخ الأعضاء فان وزارات " تعليمنا "قد نجحت فيما هو أعظم ألا وهو استنساخ العقول وذلك حين تحولت الى عقول تلاميذها الى نسخة واحدة مكررة كلهم يحصلون على المجاميع الكبيرة ليس بفضل ذكائهم طبعا ، ولكن بفضل توجيهات السيد الوزير بالتيسير والتسهيل والسيد الوزير يحرص . لرقته ودماسته . على ان يزرع البسمة فى قلوب الأمهات وعلى شفاه الآباء ، كلهم يحصلون على المجاميع الكبيرة وكلهم لايجيدون القراءة والكتابة وهذا دليل حرص الوزارة على تطبيق مبدا العدالة فى توزيع العبط والجهل .
هذا هو الاناء الذى ينضح فى الجامعة ، تلميذ لم يعتد على التفكير لم تترك له الفرصة ليصارع فكرة او رؤية أو ليشتبك حتى مع مسألة حسابية أو تمرين هندسى ، كل المعلومات تقدم له مقشرة على طبق من فضة وليس عليه سوى ان يفتح فمه .
ولاشك ان إجهاض دور المدرسة قد انعكس سلبا على دور الجاوعة وسقوط الجامعة هو بالدرجة الأولى محصلة لسقوط المدرسة وما اصاب المدرس يصل رذاذه الى الأستاذ الجامعى الذى يحول بفعل الظروف والضغوط الى مدرس خصوصى يمد يده هو الآخر للطالب .

باختصار يبدو المشهد الجامعى على هذا النحو :
من اسفل ياتى الطالب الى الجامعة مسرطنا بسرطان وزارة التعليم ، من اعلى ياتى الوزير مسرطنا بسرطان الحزب الوطنى .
من الجهات الأربعة تاتى الأجهزة الأمنية مسرطنة بسرطان وزارة الداخلية . والحقيقة هو أنه ليس ثمة سرطانات هو سرطان واحد يتلون ويتشكل فى أشكال وألوان همه واحد هو السيطرة على الجسد ولو بإنهاكه وتفريغه من أجهزته الفاعلة .
ان مياهاً مالحة كثيرة قد جرت فى نهر الجامعة ، لاحظت ذلك حين وقفت مصدوماً وعاجزاً على الرد على الطالب الذى سالنى عن ثمن الكتاب لكنى أدركت بعد ذلك أنه لا تثريب على الطالب الذى اعتاد على ذلك كما اعتاد على وسائل الترهيب والترغيب بالتلميح تارة وبالتصريح تاراتوظلت هذه العلاقة المشبوهة بين الأستاذ والطالب تنمو الى أن تبلورت فى احقر اختراع لاستاذ مصرى كان الاختراع هو هذه الورقة التى تسمى زوراً "بورقة البحث" وأسميها " ورقة العار" عار على جبين الجامعة وعلى جبين اى كتاب يضم هذه الورقة بين أوراقه والمؤسف أن هذه الورقة قد نجحت بامتياز بعد انتشارها السريع فى جامعات مصر فى ان تدمر عقلها مثلما نجح فيروس " سى" بعد انتشاره المدوى فى فى مدن وقرى مصر فى أن يدمر كبدها وبحسب هذه الورقة فساداانها لوثت العلاقة بين الاستاذ والطالب وسلطت الضوء على وجه الأستاذ التاجر والمقاول أخفت وجه الأستاذ العالم القدوة وأفقدت الأستاذ زهوه بأستاذيته تلك التى أمضى معظم عمره سعياً ورائها لكنه حين بلغها باعها لقاء هذه الورقة التى تدعى أنها تبحث عما فى عقل الطالب وهى تبحث عما فى جيبه . مساكين هؤلاء لانهم لم يجربوا أن يقرءوا فى عيون طلباهم بريق الامتنان والاحترام وهو فى تقديرى أغلى من بريق الذهب والماس .
ويطال الفساد ذروة الهرم العلمى وذلك حين يتصل الأمر بالطريقة التى يمنح بها بعض الأساتذة والمشرفين والمناقشين درجتى الماجيستير والدكتوراة ويبدأ الفساد بالتساهل فى تسجيل موضوعات لا جدوى منها ولا نفع فيها أو سبق دراستها ويتم التحايل بالالتفاف حولها واعادة انتاجها وادعاء انها لم تبحث بعد أو أنها ستبحث من زاوية جديدة ومبرارت التساهل دائما حاضرة ، منها ان طالب الماجستير ليس مطلوبا منه التوصل الى الجديد ،وحسبه أن يجيد استخدام أدوات البحث العلمى " وياليته يفلح" وينسحب هذا التساهل . من بعد على طالب الدكتوراه من بعد. ومن بعد على بحوث الترقية لدرجتى الأستاذ المساعد والاستاذ ويتحول البحث العلمى الى ساقية تعيد رفع المياه التى سبق رفعها .
وكما يتم التساهل فى تسجيل الموضوعات يتم التساهل فى مناقشتها وقلما تجد أستاذاً يعترض على مناقشة رسالة أو يطعن فى صلاحيتها رغم ندرة الرسائل الجيدة وكثرة الرسائل الرديئة اذا تجرأ أستاذ وكتب تقرير عدم عدم صلاحية عن رسالة يراها غير جديرة ينظر اليه كخارج عن الملة ويصبح غريبا لانه حلق بعيدا عن السرب وكثيرا ما يتعرض لضغوط " الساعين فى الخير ". المسائية الخميس 19 جمادى الاولى 1427 ه 15 يونية 2006 م

خطأ
شكرا

شارك بآرائك وتعليقاتك




CAPTCHA security code