أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة دمياط
مقالات اكتوبريات مناقشات كتب صور سيرة حياة اتصل بي

اباء السيسى واجداده (وجوه من القوات المسلحة)

أضيفت فى السبت 19 يناير 2019
مساعد حسين عبد القادر "بقية "

يكوًن سلاحا " الصاعقة " و " المظلات " ما يسمى "بالقوات الخاصة "؛ تلك التي تتلقى تدريبا فائق الجودة بحيث تستطيع القيام بما تعجز عن القيام به سائر القوات في كل الوحدات ، إنها تلك القوات التي يستعان بها في القيام بمهام تتطلب كفاءة قتالية عالية وبنية جسدية كاملة ، وقد تكون هذه العمليات خلف خطوط العدو وتتم بالإسقاط بواسطة المظلات، أو عن طريق الإبرار الجوى بالطائرات المروحية "الهيلوكبتر"......، هؤلاء هم جنود الصاعقة والمظلات . وهما معا يشكلان " القوات الخاصة " التي كان يقودها اللواء " سعد الدين الشاذلى " هذا الاسم الذي بدأ يتردد على أسماعنا بعد أن انخرطنا في سلك سلاح المظلات ، محاطا بقدر كبير من التوقير والتقدير ، جعلنا نتشوق لرؤيته .

كأنما أدرك حسين عبد القادر ، أنه - وإن كان الرجل الثالث في الترتيب القيادي لمدرسة المظلات ، بعد قائد القوات الخاصة ، ثم قائد المظلات – إلا أنه يتصرف كأنه الرجل الأول إدارة وقيادة وتأثيرا وحضورا، ولهذا كانت يده مطلقة في هذه المدرسة ، لقد كان القائد والرائد ولم نكن نرى أحدا غيره، صحيح أننا كنا نسمع عن قائد مدرسة المظلات ولم نره ، وكنا نسمع عن اللواء سعد الدين الشاذلى قائد القوات الخاصة ، لكنا لم نره في مدرسة المظلات . وظنى أن هذين القائدين قد عرفا ما لحسين عبد القادر من قوة وتأثير ومن قدرة على إدارة المدرسة وكفاءة في تدبير شئونها فتركاها له.وقد كان الرجل أهلا لهذه الثقة . فقد كان يقود المدرسة كما لو كانت مدرسته الخاصة ، أو مشروعه الخاص، كان محبا لطلاب مدرسته ، محبا وموجها وناصحا وحريصا على أن يكون كل شئ في مكانه ، إنه نموذج للقائد الكفء.. وأظن أننا كنا بحاجة إلى هذا النموذج في تلك الفترة العصيبة ، لأننا كنا بحاجة إلى أن نسترد ثقتنا في قواتنا التي اهتزت عقب نكبة 67، كان مصاحبا لنا في فترة التدريب الأرضي ، ثم تجده حاضرا معنا ساعة القفز من الأبراج ، وتفاجأ به في الطائرة يثير الحماس والفرح في النفوس كأن يوم القفز يوم عيد .

يصعد معنا إلى الطائرة في يوم القفز ، كانت كلماته تبدد كل المخاوف والوساوس والهلاوس التي يمكن أن تنتاب إنسان مقدم على القفز من طائرة يفصلها عن الأرض حوالي 1500متر .... يسير بيننا مشجعا مرددا بأعلى صوته " وحوش" فنرد خلفه " وحوش يافندم " ثم يعود قائلا : " أسود " فنردد : " أسود يافندم " ولا يعلم إلا الله مدى الخوف والرعب الذي كان يملأ قلوب هذه الأسود .....لكن وجود حسين عبد القادر كان كافيا لأن يجعل القافز منا لا يحجم عن القفز مهما استبد به الخوف والرعب.. كان ينجح في جعلنا ننتصر على الخوف .. ويجعل الوقت الثقيل يمر سريعا بقفشاته وضحكاته لا سيما حين يضاء اللون الأحمر الذي يعنى الاستعداد للقفز ، وهذا يعنى أن القافزين سينهضون من مقاعدهم ليتجهوا نحو الباب الذي كان فتحه مصحوبا بأزيز يخلع القلب ، وما هى إلا ثوان ويظهر النور الأخضر حتى تكون المجموعة الأولى من القافزين خارج الطائرة سعداء بمظلاتهم التي فتحت وها هم يشعرون أنهم أصبحوا نسور الجو ، وما هى إلا لحظات حتى يستعد القافز لاستقبال الأرض بما تدرب عليه من ضرورة أن يكون وجهه في اتجاه الريح مع ضم الرجلين والحرص على أن يستقبل الأرض واقفا بدلا من أن يستسلم للوقوع على الأرض فتمتلئ المظلة بالهواء وتجره على الأرض مما يعرضه للسحل وتداعياته .

بحسب القافزين أن يروا حسين عبد القادر واقفا عند باب الطائرة يشير إلى كل قافز قائلا : " اقفز ياوحش " حتى يجد القافز نفسه وقد بلغ الأرض بعد أن سيطر على مظلته وطواها شاعرا بأنه أسد حقيقي وليس أسدا مجازيا كما كان حاله قبل القفز.

لكن أكثر ما بهرنا في حسين عبد القادر هو طريقة تعامله مع الضباط الذين كانت تتراوح رتبهم من الملازم إلى العقيد والعميد ؛ إذ لم يميزهم عن الجنود ، وكان وهو ضابط الصف يوقع جزاءات على كبار الضباط إذا ما تقاعس احدهم في أداء المهام المطلوبة منه ...، وكثيرا ما كنا نتندر من هذا العقيد الذي وقع عليه جزاء بأن يعد عشرين من التمرين رقم (6) ..فيأخذ وضع التمرين ، وما إن يبدأ في العدد 3أو 4حتى يسقط على بطنه حين تعجز يداه أن تحملاه ، أو من ذاك النقيب الذي يتعثر وتخونه ركبه وهو لم يزل يعد الرقم عشرة للتمرين رقم (9)... لكن حسين عبد القادر كان حاسما مع هؤلاء وكان يسخر من طراوتهم ورخاوتهم التي لا تناسب العسكريين الأشداء من رجال القوات الخاصة.

حسين عبد القادر هذا علامة في تاريخ سلاح المظلات .. وما أظن أحدا من الذين تتلمذوا في مدرسته يمكن أن ينسى وطنيته وشجاعته وجسارته وفروسيته. . إنه أستاذ نصف قوتنا الخاصة التي كان لها دور كبير في حرب أكتوبر التي قدمت أكبر التضحيات في معركة "الثغرة" على وجه الخصوص.

كلما استعدت شريط الذكريات تماهت صورته مع صورة الفريق عبد الفتاح السيسى ؛ تلك التي صادفت قبولا حسنا لدى المصريين فأقول وأنا أتأمل الصورة الأخيرة متماهية - في نفسى – مع ذكرى الصورة القديمة لحسين عبد القادر :

" هذا الشبل من ذاك الأسد "

إنه عسكري من الطراز الفائق الممتاز ، رحمه الله وأجزل له العطاء قدر ما علم وما قدم لهذا الوطن من أبطال كانوا هم وقود نصر أكتوبر 1973.

خطأ
شكرا

شارك بآرائك وتعليقاتك




CAPTCHA security code