فى تأبين الأستاذ الدكتور عبدالرؤوف أبو السعد
أضيفت فى الخميس 06 أغسطس 2015
الأستاذ الدكتور رمضان طنطاوى .. رئيس الجامعةالأستاذ الدكتور أحمد فهمى عيسى .. أشرف وأنبل من أنجبت أرض الكنانة
السادة العمداء .. السادة الزملاء ..
سلام عليكم وبعد ..
فإنى أقف الآن على مشارف السبعين
لم يعد يفصلنى عنها سوي بضعة شهور
ولم يعد يليق بمن بلغها ، أو بمن يقف على مشارفها ، أن يداجى أو يحابى أو ينطق بغير الحق
وإن كنت أقف اليوم بينكم ، فمن المؤكد أننى سأكون غدا فى معية أستاذنا وشيخنا أ.د. أبوالسعد بحكم القانون الإلهى "كل نفس ذائقة الموت" ، وهى معية أتمناها .. لأننى سأكون فى معية القيم التى أفتقدها معكم . فى معية د. أبوالسعد سأكون فى معية الصدق والحق والعدل ، فى معيته سأكون فى معية القيم التى تبناها فى حياته ، وغابت عن حياتنا .. فضيلة الاعتراف بالحق ، الاعتراف بالخطأ ، فضيلة الاعتذار لمن أخطأنا فى حقهم ، فضيلة الاعتذار لمن شاركنا فى تشويه صورتهم أو التشويش على تاريخهم .
أقولها مخلصا : لقد جحدنا شيخنا وأستاذنا ، وأكبر مظاهر الجحود ، أننا دفنا قيمه النبيلة معه ، ولو أننا تشبثنا ببعض هذه القيم ، لما تورطنا فيما تورطنا فيه من شقاق ، ولما انكشفت عوراتنا أمام عابرى السبيل . لقد هُنَّا حين تخلينا عن مبادئ شيخنا ، وتعرينا حين لم نتدثر بأرديته ؛ أردية الصدق والحق والحرية والجمال .
ولأننا فى حضرة شيخنا ، لا نملك إلا أن نلتزم الصدق ، حتى لو كان جارحا ومؤلما ، فلقد كان الصدق جرح أستاذنا وسكينه معا .. ستكون كلمتى قاسية إلى درجة الصدمة .. وستكون قسوتى شديدة ، لأنها السبيل لإنقاذ الغريق .. ليست قسوة انتقام وكراهية .. بل قسوة محب يبحث عن طوق نجاه .. شبيهة هي بقسوة المتنبى حين قال :
فقسا ليزدجروا ، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم
السؤال الأهم الذى ينبغى أن نطرحه ..
ماذا تبقى لنا من شيخنا وأستاذنا د. أبو السعد ؟ .. ثم ماذا يعنى أن يكون السؤال الذى لا يفتأ يتردد على الألسنة هو : أليس فيكم رجل رشيد ؟
ماذا يعنى سوى أننا قد افتقدنا بفقدك – يا أبا السعد – الرجل الرشيد .. الذى كان يلم شملنا ويجمع شعثنا ، ويعالج أدواءنا .
أصبح الأبناء – يا أبا السعد – فرقاء ، وأصبح مشروعهم القومى يتلخص فى تشويه شرفائهم ، والتشويش على نبلائهم ، كأنهم كرهوا أن يكون بينهم الشريف أو النزيه أو الكريم أو الحليم أو الرفيع .
فى موعد تذكارك يا أبا السعد
يلقى الأبناء الأبناء
يتعاطون أفاويق الأنباء
والسيف المغمد فى صدر الدكتورة عزة
ما زال يشق النهدين
والسيف المغمد – من قبل – فى صدر الدكتور أحمد
ما زال يوجع القلب ويدميه
ولم يتحرك أحدهمو .. لم يغضب
وأبو السعد حزين لا يترنم
وأبو السعد صامت لا يتكلم
قد قال لنا ما لم نفهم
قد ترك فينا ما لم نتمثل
وها هو فى قبره يتململ
يطلق – فى وجوهنا – صرخته :
"عبث .. والأيام تجد
كيف صار بيتكم الطيب
إلى هذا الحال ؟
تطفر دمعتان كبيرتان من عينى أبى السعد .. وبصوت متحشرج يواصل :
"هذا اليوم الموبوء هو اليوم الثامن ..
من أيام الأسبوع الخامس
فى الشهر الثالث عشر
الإنسان الإنسان عبر / من أعوام / ومضى لم يعرفه بشر / حفر الحصباء ونام / وتغطى بالآلام ..
- شيخنا ، معنا الآن أ.د. رئيس الجامعة .. وعميد الكلية .. ورئيس القسم .. هل من كلمة تريد أن تهمس بها لأي منهم ؟ ..
- أحمِّل مسئولية ما حدث بالقسم للإدارة متدرجة من القسم إلى الكلية إلى الجامعة ، كل منهم مسئول بشكل ما ، مسئول عن إشعال الفتنة ، أو الصمت عليها ، أو بعدم اتخاذ التدابير لوأدها .
الصمت عن إهانة الشرفاء جريمة لا تقل عن جريمة الساكت عن الحق .
أعيدوا للشرفاء كرامتهم .. ذودوا عنهم السهام الموجهة إلى صدورهم .
احتفوا بنبلاء الكلية ، فهى والجامعة لا تنهض إلا بنبلائها .
- شيخنا .. هل من كلمة أخيرة تريد أن توجهها لنا ؟
- أشكر لكم تأبينكم .. وإن كنت أراكم إلى تأبيني أحوج منى إلى تأبينكم .. أنا فى قبرى حى .. أما أنتم فى حياتكم أموات .
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
أخيرا .. إن أفضل ما نحيي به روحى شيخنا وأستاذنا هو أن نحيي فى نفوسنا القيم النبيلة التى تركها لنا.
- قيم النزاهة والشرف والإباء .. قيم المحبة والمودة والتراحم .. قيم الاعتراف بالحق وعدم السكوت على باطل .. قيم الجد والاجتهاد والانشغال بعظائم الأمور عن سفاسفها .
شيخنا .. نسأل الله أن يجعل الجنة مثواك ، وأن يبعثك مع الأنبياء والشهداء والصديقين .. وحسن أولئك رفيقا .. ونعتذر لك عن سوء أحوالنا ، وتردى أوضاعنا ، وإهمالنا وصاياك وتعاليمك .. كنا نود أن نبدو أمامك فى صورة أفضل .. ولكن هذا حالنا ، لا نستطيع أن نكذب أو نتجمل فى حضرتك .. فقد تعلمنا منك – فيما تعلمنا – فضيلة الصدق .. ونحن على استعداد لأن ندفع ثمن هذا الصدق مهما كان باهظا .
وسلام الله عليكم
سيدي الجليل ...
إن قدرَ الفرسان المعاركُ.وأنت فارسُ هذا الزمان،ومعركتك ستمتدُّ طويلا في الحفاظ على قيم الحق والخير والصدق والجمال بعدما ترعرع في وادينا الطيب هذا القدر الهائل من أحراش الجهل والكذب والنفاق والبلادة والبذاءة والابتذال..ثمَّ قتالٌ شرسٌ باقٍ فلا تيأس ولا تبتئس. سنظل ـ نحن طلابك ـ خلف ظهرك، منافحين ، محاربين معك في خندقك الطهور ، متحصنين بك ومتسبثين بتعاليمك فينا كلما حمي وطيس الجهل،وكلما أعلن الشر دولته بالطبول.
لقد كنتَ ــ يا دام عزكَ ــ واحدا من الذين عبروا القناة وحرروا الأرض المصرية السليبة،وها أنت الآن تعبر عبورا آخرَ ،وتحرر الأرض التي فككوها ووضعوها في مخازن التاريخ.
دمت لنا منارةَ فِكْرٍ وعِلْم، وجبلَ صَبْرٍ وحِلْمٍ ، وأَبًا عطوفا نختبئ في كنف تعاليمه ونصائحه.