أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة دمياط
مقالات اكتوبريات مناقشات كتب صور سيرة حياة اتصل بي

الطالب يهجو أستاذه !

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

اعتدت أن أخصص بضع دقائق من كل محاضرة للطلاب المبدعين والموهوبين . وما إن بدأ مبدع ذلك اليوم يلقى قصيدته حتى أدركت أنها قصيدة هجاء ، وكثيرا ما كنت أكرر على مسامع الطلاب أن أروع الشعر وأعظمه هو ما نأى عن ساحة المدح والهجاء ليأتى مزيجا من أمور الذات وقضايا المجتمع وشئون الحياة .. وقبل تنتهى القصيدة أدركت أن الطالب قصد بها أحد أساتذته .. راسما إياه فى صور سلوكية ونفسية مزرية ، وما إن انتهت حتى قابلها الطلاب بعاصفة من التصفيق .
عندما انفردت بالطالب أخبرته أننى كنت أتوقع منه قصيدة ثناء على أستاذه لا هجاء ، غير أن رده لم يكن بحاجة إلى تعليق وذلك حين قال لى : لقد علمتنا أستاذنا أن نعبر بصدق عن مشاعرنا .. وهذا ما فعلته .
قلت : إن حظ القصيدة من تصفيق الطلاب وتجاوبهم كان كبيرا ، الأمر الذى يعنى أن الطالب عبر عن مشاعر زملائه وهو يعبر عن مشاعره .
وهنا يفرض السؤال نفسه ، ما الذى يجعل مشاعر الطالب نحو أستاذه تتحول من الإيجاب إلى السلب ، من الحب إلى الكراهية ، من الاحترام والتوقير إلى الازدراء والتحقير .
وما كان المشهد يستحق التأمل لو اقتصر الأمر على كون طالب بعينه يعبر عن مشاعره أيا كانت نحو أستاذ معين ، ولكن حين يتحول المشهد إلى مظاهرة كراهية وازدراء تعلن عن نفسها من خلال عاصفة التصفيق الجماعى ، فإن المشهد يستحق أن يوضع فى الاعتبار ليدرس ويحلل لنعرف الأسباب والبواعث . ومن ثم الوصول إلى حلول .
لقد أتيحت لى الفرصه من خلال كونى أستاذا ثم من خلال كونى مشرفا على إحدى كليات الآداب أن أتحسس نبض الطلاب نحو أساتذتهم ، وكم هى القصص والحكايات التى استمعت إليها والتى تحدد طبيعة عاطفة الطالب نحو أستاذه وتظهر التقدير الذى يعطيه له وتجعلنى أقول بثقة أن هذه العلاقة قد اهتزت كثيرا ، وأصبحت تميل فى المجمل نحو القطب السالب أكثر مما تتجه نحو القطب الموجب .
ومكمن الخطر فى هذا المشهد أنه لا جدوى من كتب أو مذكرات أو محاضرات ما دامت الثقة قد اهتزت ، والتقدير قد انحط .
أولى الناس بتحليل هذا المشهد هم الأساتذه أنفسهم ، إذ الخسارة ترتد إلى صدورهم ..
فقط لحظات يصدق فيها الأستاذ مع نفسه يطرح عليها السؤال : لماذا لا أحظى بحب طلابى واحترمهم ؟ ، أعرف أنها ستكون لحظات صعبة وفى بعض الأحيان قد تكون مستعصية . فمن هو هذا الأستاذ الجسور الذى يمكن أن يتحسس مشاعر طلابه منه ، ناهيك عن وضع هذه المشاعر فى الحساب والحسبان ؟ ، ولن توضع مشاعر الطالب فى الحساب والحسبان إلا اذا قرر الاستاذ أن يتخلى (حساباته) فهل يستطيع الأستاذ ؟ ليس أمام الأستاذ إذن سوى خيارين : إما أن يتخلى عن حساباته ليستعيد مع مجده وزهوه ثقة الطالب مشفوعة بقصائد المدح والثناء . وإما أن يظل ضعيفا أمام هذه الحسابات ليظل جديرا بالرثاء وبكل قصائد الهجاء . ويالخيبة الأمل فى
جامعة يهجو طلابها أساتذتهم !!

د. أحمد عبد الحى
أستاذ الأدب بكلية الآداب – جامعة طنطا

خطأ
شكرا

شارك بآرائك وتعليقاتك




CAPTCHA security code