من انفلونزا الدروس إلى انفلونزا البحوث
ان الانهيار القيمى الذى اصاب المجتمع كان لابد ان يطال بدرجة أو بأخرى الثمار اليانعة والمتمثلة فى صفوة مفكريه وعلمائه وباحثيه وكان طبيعيا ان يصل غبار هذا الانهيار ليلوث هذه الثمار
والانهيار الجامعى هو نتيجة طبيعية لانهيار القاعدة التى يرتكز عليها متمثلة فى مؤسسة التعليم ماقبل الجامعى وليس أدل على انهيار هذه المؤسسة الاخيرة من انتشار انفلونزا الدروس الخصوصية منذ اكثر من أربعين عاماً ولو اننا تعاملنا مع هذا المرض بنفس الهلع الذى تعاملنا به مع انفلونزا الطيور لتغيرت صورة التعليم وتغيرت بالتالى صورة الطن كله غير أن الوزراء المتتابعين لم يكين يعنيهم من الأمر سوى المزج بين إشباع شهواتهم السلطوية وغير السلطوية إرضاء من اجلسوهم على كراسيهم وفى هذا الأمر الأخير يمكن السر فى ان كل خطوة يخطوها السيد الوزير الى " روبوت " يتحرك وفقا لإشارة ال " ريموت " يصبح موظفا لا نصيب له من الابداع وربما لا حظ له فى التفكير وما يحدث للوزير ينسحب بالعدوى على منسوبى الوزارة وعلى راسهم المعلمون القلب النابض ترضى للوزارة يتآكل القلب ثم ينخلع حين يولى المعلمون وجوههم شطر البيوت مكتفين بالتوقيع فى دفاتر المدارس ويقضون اعمارهم فى اداء اعمال شكلية ترضى غرور الموظف الكبير وتوحى لو بان كل شىء تمام وكل شىء بالفعل تمام فى الدفاتر المدرسية وكل شىء تمام أيضا فى المدارس المنزلية تلك التى أمست المكان البديل والجميل الذى يجد فيه التلميذ راحته لأنه وضع أستاذه فى جيبه وأصبح قريبا من حضن امه ومن سريره الدافىء ثمة مدرسون ينتظرون حتى يستيقظ الجميل من نومه " ويجلس الجميل " متململا متثائبا غير أن ذكاء الاستاذ يجعله ينتهز كل فرصة يتثاءب فيها التلميذ ليفرغ فى فمه معلقة من درسه الخصوصى .
عندما تحول صدام إلى أسطورة
بعد صلاة الفجر ، منذ عشرين عاماَ ، بدأت الأصوات هادئة تنطلق من المساجد " لبيك اللهم لبيك " وفى نفس هذه اللحظة من صباح عيد الأضحى شعرت بالأرتباك حين كان على أن أفكر فى الطريقة التى لا أفسد بها على أهل ، قريتى فرحتهم ،وذلك حين فاضت روح أبى إلى بارئها فى تلك اللحظة . وفكرت فى أحد أمرين : إما أن أتكتم حتى يفرغ الناس من طقوسهم المعتادة ، أو أن تتم مراسيم الفن فى إطار عائلى ، دون إزعاج للمحيطين الذين سيجدون أنفسهم مختارين أو مضطرين أن ينسحبوا من أجواء العيد المفرحة لمشاطرتنا الحزن ، غير أن أيا من الأمرين لم يتحقق بسبب هزيمتى أمام جيشان عواطف إخوتى .
الميكروفون والضجيج الدينى !
الهدف من مكبرات الصوت عموماً هو توصيل الصوت لمن لا يصل اليه، وهذا هو ما يحدث فى المجتمع الذى أنجب مخترع الميكروفون ، وما يحدث فى كل المجتمعات التى تصدر الينا الميكروفونات مع مراعاة الحذر الشديد من غير خدش حواس الناس وكل الكائنات لكن ماذا صنعنا نحن بهذا الاختراع؟
إمتلأت قرى مصر المحروسة ومراكزها واجزاء كثيرة من عواصم محافظاتها بالباعة الجائلين إما على عربات كارو أو نصف نقل ، يتصدر كل عربة منها ميكروفون ، يلح بفظاظة لجذب زبائن الملوخية الخضراء والطماطم الحمراء والباذنجان الأسود ( وقلبه الأبيض ) .. ورغم الأذى الذى تحدثه تلك الميكروفونات من إعتداء على حواس الناس ، إلا أن أذاها اقل بكثير مما تسببه ميكروفونات الجوامع ، الأولى اعتداء مؤقت على حاسة السمع ، أما الثانية فتشويه للدين وتزييف للعبادة وإفساد لها .
الأمة تكشف عن عورتها فى معرض الكتاب
"قل لى ماذا تقرأ أقل لك من أنت "
وكما نتعرف على الخريطة العقلية والوجدانية للإنسان من خلال ما يقرأ ، كذلك الحال بالنسبة للأمم ، وليس أفضل من معرض القاهرة الدولى للكتاب مكاناً يجمع ثقافة الأمة ضمن ما يجمع من ثقافات الأمم ، ومن ثم يمكن أن نرى الملامح الفكرية والوجدانية لهذه الأمة على مرآة ما يُعرض فى المعرض من كتب . الانطباع الأول للمتجول فى القاعات هو التوقف أمام هذا الطوفان من كتب التخدير العقلى والتخريب الفكرى ؛ كتب الهلاوس والوساوس ، الأباليس والتلابيس ، الجن والعفاريت ، الثعابين والشياطين ، عذاب القبر وحساب الملكين ، الحجاب والنقاب ، اللحية والنفاس وشعر الراس ..... طوفان يزيح كتب العقل والتفكير لتتوارى منزوية خجلة فى الرفوف الخلفية والسفلية.
والمعرض مناسبة سنوية مثيرة للغبطة والسعادة ، غير أن جولة فى قاعاته تصيب المرء بالإحباط والكآبة ،وهما شعوران يتجددان على رأس كل عام كلما طفت بالقاعات أتأمل العناوين وأستعرض الفهارس وأتصفح الكتب ، فأتأكد للمرة التاسعة والثلاثين أن معظم ما يعرض فى سوق الكتاب من غذاء للعقول أشد ضررا عما يعرض من بقايا الأطعمة فى أسواقنا الشعبية بقرانا المصرية من غذاء للبطون .
أنا .. وطلاب الإخوان
ما حدث مؤخرا من طلاب الإخوان فى جامعة الأزهر يجعلنى أستعيد تجربتى مع أقرانهم فى كلية الآداب بكفر الشيخ حين كنت مشرفا على الكلية لمدة ثلاث سنوات (2003 – 2006) .
كنت أتفهم الثوابت الفكرية التى ينطلق منها هؤلاء الطلاب ، وكثيرا ما كانت تفرض طبيعة الموضوعات الأدبية التى نعالجها فى المحاضرات طرح قضايا دينية كانت تثير نقاشا يتباين رد فعل هؤلاء الطلاب إزاءه ما بين مقتنع أو متظاهر بالاقتناع ، ومنهم بالطبع من كان يتشكك فى نواياك ، ومنهم من كان يعتقد بأن رأيك يمثل اعتداءا على عقيدته ، فيهب مدافعا عن هذه العقيدة ، مبديا استعداده للتضحية فى ذلك حتى بمستقبله الدراسى .. وكنت أبتسم مراهنا على ما سوف تؤول إليه هذه العقول الغضة بعد تعرضها لعوامل التعرية الفكرية .
لم أنس أن هؤلاء الطلاب كانوا بذورا نمت فى مناخ ملبد بغيوم داكنة أسقط مطرا أسود على تربة متكلسة ، تجمعت هذه الغيوم من ثلاثة اتجاهات :
1- اتجاه داخلى عقب الانكسار العسكرى والسياسى فى ستينيات القرن الماضى ثم ما أعقبه من أفول اجتماعى متزامن مع ما سمى بانفتاح اقتصادى انشطر المجتمع إثره إلى فئتين : فئة الأغنياء الذين ازدادوا غنى ، وفئة الفقراء الذين ازدادوا فقرا ، وبضياع الطبقة الوسطى أصيب العمود الفقرى للمجتمع بالهشاشة والرخاوة وعدم الاتزان .