أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب ، جامعة دمياط
مقالات اكتوبريات مناقشات كتب صور سيرة حياة اتصل بي

مفــاتيح كبــار الشعــراء العــرب

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010 | تعليقات 1

كنت قد اتخذت من شاعر متواضع ومكسور الجناح موضوعاً لدراسة علمية ؛ هى رسالة ماجستير مخطوطة بآداب القاهرة عنوانها " شعر صالح مجدى .. دراسة فنية " .قضيت مع الشاعر فيها بضع سنوات بائسة ، أقلبه على كافة أوجهه لعلى أجد لديه ما يثلج الصدر ، أو ينعش العقل ، أو يروى الوجدان ، لكن دون جدوى . أدركت أن الخطأ ليس فى الشاعر بل فى اختيارى ، إذ كيف أرجو من حفنة مياة راكدة ، ما أرجوه من شلال دافق مثل عنترة ، أو بئر عميق مثل عمرو بن كلثوم ، او جدول طروب مثل أبى نواس ، او محيط ـ هادئ حيناً ، عاصف أحيانا ـ مثل أبى العلاء ، أو نهر وقور مثل صلاح عبد الصبور ، أو فيضان كاسح مثل أدونيس ؟ . فكرت أكثر من مرة فى فسخ علاقتى بهذا الشاعر ، غير أن أستاذى المشرف كان ينجح كل مرة فى إثنائى عما اعتزمته بحجة قد تكون صحيحة ؛ هى أن البحث العلمى لا يفرق بين الظواهر الجيدة والظواهر الرديئة ؛ هما على ميزان البحث سيان ، ومحك الجودة أو الرداءة يرجع فى النهاية إما إلى صرامة البحث و انضباطه ، أو إلى ميوعته واهترائه . ومع إيمانى التام بهذا ، إلا أن عقدة شاعرى الأول ظلت تطاردنى لتحول بينى وبين الانفتاح العقلى والوجدانى على أىٍّ من الشعراء الصغار ، بل لقد ضاقت حلقة هذا الإنفتاح بحيث لم تعد تسمح بعبور من هم دون الكبار . 

اقرأ المزيد

اعرف نفسك

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010 | تعليقات 1

أومن كثيراً بأهمية مقولة سقراط : " اعرف نفسك " لأنى أومن أيضاً بأن العلم الذى يحصِّله الإنسان - مهما بلغت درجته – لن يسعفه أو يساعده على إدراك ذاته ، ألتقى بأُناس كثيرين حصلوا على درجات علمية رفيعة ، ولكن مدركاتهم الوجدانية والنفسية والشعورية لم تتجاوز مستوى تلميذ المرحلة الإعدادية . إن مواجهة الذات والتحديق فى مرآتها ، والتعرف على قسماتها ، والاعتراف بنقائصها ، أمر لا يقدر عليه أى إنسان ، لا يقدر عليه إلا من يحب أن يرى نفسه كما هى ، لا كما يتمنى أن تكون ، أن يراها على حقيقتها ، لا كما يتخيلها من خلال الصورة الذهنية الوهمية التى رسمها لنفسه ، وهى صورة ، رغم كونها كاذبة ، إلا أنها تكبر مع كثير من الناس ، وهؤلاء فى حقيقة الأمر مساكين ، لأنهم يعيشون فى حياتهم منقسمين بين الصورة الوهمية الكامنة فى أنفسهم عن أنفسهم ، وبين الحقيقة التى يصطدمون بها أو تصدمهم فى واقعهم . 
ولقد روضت نفسى على أن تكشف لى هذه النفس عوراتها ونياتها وخباياها الدفينة ، وشجعتها على البوح والإفضاء ، وذلك بإبداء الرضا عما به تفضى وتبوح ، ومع مرور الزمن ، استحال إبداء الرضى إلى رضىَّ حقيقى ، ومن ثم سقط هذا الجدار الذى كان يمكن أن يحول بينى وبين رؤية ذاتى ، لم أعد أخجل منها ، ولم تعد تستحى منى .

اقرأ المزيد

فى الجيش

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010 | تعليقات 1

كان جنديا بسلاح المظلات ، واشترك عبر سبع سنوات ( 1967 ـ 1974 ) بجهد ما فى حروب الاستنزاف ، ثم فى حرب اكتوبر 1973 وجصل على أكثر مما يستحق حين نال وسام شرف المعركة . لكن إذا كانت معركته مع عدو الخارج قد انتهت فإن معركته مع أعداء الداخل لم نتنه بعد .
وإذاكان هذا المقاتل قد وجه سلاحه بالامس إلى صدر عدو متربص خارج الحدود ، فإنه يوجهه اليوم ليكشف عدوا قابعاً داخل الحدود ، يعيش " فوقنا وتحتنا وحولنا وفينا " . قد يهبط علينا من فوق ، وقد يصعد إلينا من أسفل ، وقد يتقافز حولنا ، وقد يعربد فينا ، ولكن النتيجة فى كل الحالات واحدة : تفريغ ورحى ، تدمير عقلى ، تشويه شعورى ، تخريب وجدانى ، قهر جسمانى .
وإذا كان عدو الخارج قد سرق ـ إلى حين ـ أرضنا فإن عدو الداخل قد :

سلب مشاعرنا حين استخف بها وصادرها
سلب عقـولنــا حين تولى بالنيابة عنا مهمة التفكير لنا
سلب أصدقاءنا حين أغراهم فأصبحوا عيونا علينا

اقرأ المزيد

طالب منتسب

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

فى آداب القاهرة .كنت طالبا منتسبا ، أقوم بزيارات خاطفة إلى الكلية ، مرة فى الشهر ، أومرتين إذا نلت الرضى من ناظر المدرسة ، أجمع فى ساعات ما فاتنى فى أسابيع ، وكنت أيضا أضغط المكان ، لأنى تسللت من كلية الآداب إلى كيلة الحقوق ، ومنها إلى كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، ومنها إلى كلية الإعلام ، ثم إلى كلية دار العلوم ، أبحث عن محاضرة هنا ، أو ندوة هناك . أو مناقشة رسالة هنالك . كنت محروما من العلم ، لذا سعيت لتذوق كل ما يستسيغه اللسان ، وابتلاع كل ما يملأ فراغ المعدة ، تصورت الجامعة شجرة ، لكل فرع فيها ثمار ، ولكل ثمرة نكهتها ، دفعنى الجوع العلمى والمعرفى إلى الرغبة فى تذوق كل الثمار . أما الإحساس بالحرمان فقد انعكس فى شكل أشبه بالشبق المعرفى . لذا كنت أختار أساتذتى بعد أن هضمت المناخ الجامعى ، ولم أكن أرتبط بفرقة دراسية ، ولكنى كنت أرتبط بأستاذ ، ألهث وراءه من الفرقة الأولى إلى الفرقة الرابعة ، ثم إلى رسائله التى يناقشها أو يشرف عليها ، توثقت علاقتى بالأساتذة المبدعين من أصحاب الرؤى ، وتفسخت هذه العلاقة مع الأساتذة الموظفين من أصحاب المذكرات ، أعظم الأساتذة هم اولئك الذين صدمونى ، فنفرت منهم فى البداية ، ولكنى عرفت فضلهم فى النهاية ، وأسوأ الأساتذة هم أولئك الذين دغدغوا مشاعرى فى البداية ، ولكنى أدركت مدى جنايتهم على فى النهاية .ثمة أستاذ كنت أنفق مرتبى لأصل إليه ، وآخر أهمله لأبحث عن أستاذ أخر فى قسم أخر أو فى كلية أخرى . كنت أتحول بين أقسام الكلية ، ثم بين كليات الجامعة ، أتشمم رائحة العلم بين المدرجات ، كنت فى ذلك مثل الحلاج حين يقول على لسان صلاح عبد الصبور :

لهثت ُ وراء العلوم سنين
ككلبٍ يَشُمُ روائح صيد
فيتبعها ، ثم يحتالُ حتى ينالَ سبيلا إليها ،
فيركضُ ، ينقض ....

اقرأ المزيد

شهادة

أضيفت فى الجمعة 19 نوفمبر 2010

فى سالف الأزمان وقف الإنسان عاجزاً عن تفسير ظواهر الوجود بمنطق العقل ،فلاذ بالحلم والخيال ، أو بالمنطق الأسطورى ، وتراثنا غنى فى هذا الجانب ، لاسيما ما يساعد الإنسان على تحقيق ما يجيش فى نفسه من رغبة تعجر عنها القدرة . وعالم ألف ليلة وليلة زاخر بالأمثلة التى تصبح فيها كل رغبات الإنسان مجابة بمجرد فرك اليد على خاتم سحرى . وهذا الخاتم هو " العفريت " الذى اخترعه الإنسان لينتصر به على عجزه وضعفه وقلة حيلته .... أما وقد بلغ العلم ما بلغ ، ووصل إلى ما وصل من إنجازات وتقنيات تتفوق فى سرعتها وقدرتها على كل ما وصَلَنا من حكايات الجن والعفاريت ، فقد أخذ علم العفاريت القديم ينحسر ويتوارى ليفسح المجال للعفريت الجديد " العلم " ذلك الذى يدهشنا كل يوم بالغريب والعجيب . ورغم هذا سيظل تراثنا الضخم المعجون بماء العفاريت كامناً فى نفوسنا ، مترسباً فى وعينا ولا وعينا . 
وحين أعبث فى ذاكرتى أجد مئات القصص التى كان قائلوها يقسمون بالأيمان المغلظة أنهم عايشوها ، وكم كنت أشفق على جدى وهو يقص علينا ما تعرض له من إغراء جنية البحر ، أو وعيد جنى البر الجالس على شجرة الجميز العتيقة ، أو تحرشات عفاريت البيت المسكون الكائن فى طرف العزبة التى كان يعمل ناظراً لها ، وكم كان يشعرنى بخيبة الأمل حين يكتشف فى الصباح أن الأرانب الكثيرة التى جمعها بالليل من على مدار الساقية فد اختفت ... قصص وحكايات لا تنتهى .. وكلها معجونة ، كما قلت ، بماء العفاريت .

اقرأ المزيد
«123456789101112»