الأصداء السياسية فى أصداء السيرة الذاتية لـنجيب محفوظ - الجزء الثانى
لم يشأ نجيب محفوظ أن يكتب سيرته الذاتية ، وليس نجيب محفوظ هو الذى يكتب سيرته الذاتية بالمعنى المعروف ، وهو تتبع مسيرة سلسله حياته حلقة حلقة مستعرضا ظروف النشأة والتكوين ، ثم كيف تكون ثقافيا وسياسيا من خلال إستعراض مسيرته العلمية ، مع التركيز على المنحنيات الشخصية الفاعلة فى تكوين ثقافته ثم انعكاسها على إبداعه وصولا إلى الحكمة أو خلاصة الخبرة التى اكتسبها خلال هذه الرحلة .
الأصداء السياسية فى أصداء السيرة الذاتية لـنجيب محفوظ - الجزء الأول
كان إنجلز يرجع إلى روايات بلزاك حين يريد أن يتعرف على فرنسا ، ومن يريد أن يتعرف على مصر فى القرن العشرين ، فليرجع إلى روايات نجيب محفوظ ، فهناك تجد التاريخ السياسى والاجتماعى ؛ وذلك أنه اتخذ من رواياته وسيلة لطرح آرائه ورؤاه السياسية ، فإذا عرف أن نجيب محفوظ كان قد مزج الفلسفة التى تخصص فيها بسائر العلوم الإنسانية من علم نفس واجتماع وتاريخ – إذا عرف ذلك أمكن أن تتخيل كيف ستصير هذه التوليفة إذا ما أودعت عقل مبدع كبير ملتصق بالواقع يتشرب قيمه وعاداته ، ويتأمل سلوك أهله وناسه ، يجلس على القهاوى ويتجول فى الحارات فاتحا جميع حواسه على ما يدور حوله حتى لكأنه كان يعد نفسه لمعركة الإبداع ؛ تلك المعركة التى نذر حياته من أجلها .
يوم التـــأبين
من بين الأسئلة التى اعتدت أن أطرحها على نفسى هذا السؤال الذى كان وما زال يلح علىّ : ماذا تود أن يقول الناس عنك فى يوم تأبينك ؟ ورغم رفضى للعادات والسلوكيات التى تقترن عندنا بالموت ، ورغم وصيتى بإلغاء كل ما تعارفنا عليه من مراسم جنائزية ، لأننى أحب أن أعود ـ بهدوء ـ كما جئت . ورغم يقينى بأننى لست جديراً ، ولست بحاجة إلى من يترحم على ، أو من يذكر محاسنى ـ رغم ذلك فإننى أتخيل ما سيطوف بخاطر من يهمهم الأمر فى الثوانى الخمس التى تعقب وصول النيأ ، وآمل أن تتبلور هذه الخواطر على هذا النحو :
كان عصامياً ، من الصفر بدأ حياته وانتهت وهو يمتلك أعظم ثروة ، حب الآخرين واحترامهم .
صدمة الوعى
أدين لبعض أساتذتى الذين أيقظونى من الغيبوبة الفكرية بفضل ما تعرضت له من صدمات كهربائية ، غير أن هذه اليقظة ما كان لها أن تتحقق إلا من خلال تضافر جهود فريق من الأساتذة الذين بدوا كما لو كانوا معنيين بشأن واحد قد اتفقوا سلفاً عليه رغم اختلاف التخصصات ، هذا الشأن هو نزع الوعى الزائف وزرع الوعى الصحى ، وهذا يدعونى إلى التساؤل المستمر ..
إذا كانت عملية نزع الوعى الزائف وزرع الوعى الصحى قد استهلكت أربع سنوات من الدراسة الجامعية أعقبها جهود علمية متتالية لإنسان لم يكن أمياً ولا جاهلاً ، بل كان معلماً و أمضى أربعة عشر عاماً فى مراحل تعليمية سابقة وكانت تربته العقلية مهيأة لاستقبال بذور التغيير ، فكم تستهلك مثل هذه العملية من جهد ومن وقت إذا أردنا أن نجريها للمجتمع لاسترجاع وعيه الغائب ؟ .
ورقــة العــار
حين عدت من الإعارة فى تسعينيات القرن الماضى لاحظت أن مياها مالحة كثيرة قد جرت فى نهرالجامعة ، بدأت هذه الملاحظة حين وقفتُ مصدوماً وعاجزاً عن الرد على الطالب الذى سألنى عن ثمن الكتاب .. لكنى أدركت بعد ذلك أنه لا تثريب على الطالب الذى اعتاد على ذلك كما اعتاد على وسائل الترهيب والترغيب ، بالتلميح تارة وبالتصريح تارات . وظلت هذه العلاقة المشبوهة بين الأستاذ والطالب تنمو إلى أن تبلورت فى أحقر اختراع لأستاذ مصرى ، كان الاختراع هو هذه الورقة التى تسمى زورا ًبورقة البحث وأُسميها " ورقة العار " عار على جبين الجامعة ، وعلى جبين أى كتاب يضم هذه الورقة بين أوراقه .